عن المحرقة والنكبة والاحتلال والامن والاسوار...؟!!!
*نواف الزرو
nzaro22@hotmail.com
كما في كل فرصة تتاح، تستنفر الدولة الصهيونية كل طاقاتها وامكاناتها ولوبياتها من اجل استثمار حكاية الكارثة-المحرقة اليهودية، استثمارا شاملا على كل المستويات االاعلامية والمالية والثقافية، وتسعى لتكريس وتعميق استثنائية الكارثة اليهودية في التاريخ، وترفض رفضا قاطعا الربط ما بين المحرقة والنكبة الفلسطينية، بل وتحاكم من يجرؤ على مثل هذا الربط كما يحصل الآن مع الرئيس الفلسطيني ابو مازن، حيث استنفرت "اسرائيل" بكل امكاناتها السياسية والاعلامية وبكل لوبياتها العالمية في حملة تحريضية واسعة لم يسبق لها مثيل ضد ابو مازن لمجرد انه تحدث عن كارثة-محرقة- فلسطيني، فالكارثة لديهم ظاهرة يهودية لا مثيل لها لدى الآخرين، وفي ذلك، وفي اقرب مثال على ذلك ايضا، أثارت مقارنة النكبة الفلسطينية بالمحرقة اليهودية من قبل محاضرة في جامعة حيفا، ردود فعل غاضبة في أوساط طلاب وادارة الجامعة، اذ اشارت "د. معين أجمون" خلال تمريرها لدورة في مجال العلوم الاجتماعية الى تعدد الثقافات بين الشعوب، وأوردت المحرقة اليهودية والنكبة الفلسطينية كرموز لتعدد هذه الثقافات وتنوعها دون أن تعلم أنها تثير بذلك عاصفة من الغضب عليها، فردود الفعل بدأت داخل الصف، عندما أنبتها احدى الطالبات على مقارنة قتل ستة ملايين يهودي بطرد 700 الف فلسطيني، فاجابتها بوجوب قبول أن الشعب الفلسطيني مر بكارثة أيضا، وامتدت الردود الى الخارج بتوالي الاستنكارات من الحركات الطلابية الصهيونية المختلقة ورفع الشكاوى ضدها الى ادارة الجامعة ووزارة التربية والتعليم، ما اجبرها على الاعتذار عن اقوالها، فيما اصدرت جامعة حيفا توضيحا يفيد ان الكارثة لا مثيل لها في التاريخ ولا يجوز تشبيهها بأي حدث اخر، علما بان المحاضرة المذكورة تنتمي الى عائلة من الناجين من المحرقة.
وفي هذا السياق، وفي الذاكرة الوطنية الفلسطينية-العربية، ووفق كم كبير من الوثائق والشهادات - ومنها شهادات اسرائيلية – فانه " لو لم تكن الكارثة/ المحرقة لما كانت النكبة "، ولدى الاسرائيليين يربطون كذلك ما بين الكارثة/ المحرقة وما بين الامن والقمع والاحتلال، وفي ذلك، كانت "عميرة هس" قد كتبت في هآرتس العبرية ان عبارة"الأمن لليهود" أصبحت مكرسة ومقدسة ككلمة مرادفة ووحيدة لـ "دروس الكارثة" ، الامر الذي يُتيح لاسرائيل التمييز المنهجي ضد العرب ، و"الأمن" يبرر طوال عقود مضت هيمنة اسرائيل على الضفة والاقطاع وسيطرتها على رعايا محرومين من الحقوق الحياتية ، بينما يعيش الى جانبهم مستوطنون يهود مشبعين بالامتيازات المترفة"، مضيفة "الأمن يخدم انشاء نظام فصل وتمييز على أساس عرقي في ظل "محادثات السلام" المستديمة الى الأبد ، وتكنيز- مراكمة- الكارثة يسمح لاسرائيل بأن تصور كل طرق الصراع ضد الفلسطينيين كحلقة جديدة في مسلسل اللاسامية التي كانت أوشفيتس ذروتها ، واسرائيل تمنح نفسها رخصة دائمة لابتداع أنواع جديدة من الأسوار والأبراج حول المعتقلات الفلسطينية الجماعية".
واسرائيليا، نستحضر مرة اخرى خطاب رئيس وزرائهم الاسبق نتنياهو في ذكرى المحرقة اذ قال"إنه لم يتم استيعاب عبر الهولوكوسوت في العالم"، واضاف"إن السؤال المهم الذي ينبغي طرحه في هذا اليوم، يوم ذكرى "الهولوكوست والبطولة" هو: هل تم استيعاب عبر الهولوكوست في العالم؟، وللأسف الشديد فإن الجواب هو لا، فظاهرة العداء للسامية تتجدد وتنتشر وتتسع وتتحالف قوى مختلفة مع بعضها وتغرق العالم بعداء للسامية قديم ممزوج بعداء للسامية جديد، وكراهية اليهود ورفض وجودهم تحولت إلى كراهية تجاه دولة اليهود ورفض وجودها".
ارتبطت الكارثة عن سبق تخطيط بالاساطير المؤسسة للحركة الصهيونية والدولة العبرية، اما اليوم فقد طورت وكرست الدولة الصهيونية قصة "الكارثة /المحرقة" كوسيلة ابتزاز لا حصر لها تحت اسم "معاداة السامية " فاصبحت الكارثة مرتبطة جدليا وعضويا باللاسامية، والارهاب الدولي، فمن ينتقد الكارثة /المحرقة او يشكك بوقوعها انما يصبح لا ساميا وارهابيا، ولذلك نربط نحن بدورنا جدليا ايضا ما بين ثلاثية الكارثة واللاسامية والارهاب ....؟!
فكلما دق الكوز بالجرة في قصة "اسرائيل" و"الاحتلال الاسرائيلي" وجرائم الحرب والابادة الجماعية التي تقترفها "اسرائيل" ضد الشعب الفلسطيني، وكلما "تجرأ" قائد او مسؤول او مفكر او باحث كبير او رئيس مثل ابو مازن مثلا على توجيه الانتقادات لممارسات الدولة الصهيونية، فتحت واطلقت مدافع الاعلام الامريكية - الصهيونية نيرانها الثقيلة بأتهام ذلك القائل او تلك الجهة بالعنصرية ومعاداة السامية.. تصوروا.. ان كل من يتجرأ" على رؤية الجرائم الصهيونية يتهم بالعنصرية ومعاداة السامية، واصبح يتهم منذ عهد الرئيس بوش وبعده اوباما وترامب وبايدن بالارهاب ايضا...؟!!
فالى اي حد مصداقية الاتهامات الاميركية - الصهيونية لكل من يفتح ملف "المحرقة" او ينتقد "اسرائيل" باللاسامية والعنصرية والارهاب..؟!
ففي المحرقة مثلا، هناك كم لا حصر له من التحقيقات والابحاث والوثائق التي اما تشكك بـ او تنفي قصة المحرقة، وتكفي الاشارة هنا الى تقرير الخبير الاميركي "فريد لوشتر" الذي "يدحض افتراءات اليهود حول الابادة الجماعية في المعسكرات النازية".
يضاف الى كل ذلك جملة كبيرة متزايدة من الوثائق والوقائع التي تدين وتجرم الصهيونية و"اسرائيل" بالعنصرية والارهاب واقتراف جرائم حرب ضد اطفال ونساء وشيوخ وشجر وحجر فلسطين"، ثم يهاجمون كل من يشكك بـ "المحرقة" او ينتقد الارهاب وجرائم الحرب الاسرائيلية بـ "اللاسامية" و"العنصرية" و"الارهاب" ..تصوروا..؟!
فمن يتحمل مسؤولية هذا المشهد..؟! |