المناورات الحربية الاسرائيلية : من "نقطة تحول 1-21"الى "مركبات النار"وهواجس الرعب من "الانهيار الشامل"....؟!
*نواف الزرو
Nzaro22@hotmail.com
الجيش الإسرائيلي يواصل أكبر مناورة عسكرية في تاريخه باسم مركبات النار..!، وتعدّ المناورة التي بدأها الاحتلال يوم2022-5-9 المناورة الأكبر في تاريخ الكيان، بحسب إلاعلام إلاسرائيلي، وتحاكي حرباً متعدّدة الساحات وهجمات صاروخية من جبهات مختلفة، بل ان الامور ذهبت في التحليلات الى ابعد من ذلك لتتحدث المصادر عن امتداد المناورات الى قبرص لمحاكاة عملية غزو للبنان...وطبعا هذه ليست المرة الاولى ولن تكون الاخيرة، ففي سياق المناورات الحربية الاسرائيلية المتصلة شهدت الجبهة الداخلية الاسرائيلية ايضا في نوفمبر الماضي المناورة السنوية التي أُطلق عليها اسم "نقطة تحول 21"، وشكّلت فرصة في إعادة تسليط الضوء على توقّعات الحرب المقبلة وسيناريوهاتها، مع التركيز على وضعية الجبهة الداخلية في أي مواجهة مستقبلية، وركّزت المناورة على ثلاث نقاط:الأولى: تتعلق تحديداً بعدم اكتمال جهوزية الجبهة الداخلية، التي ستكون عُرضة لهجمات صاروخية "كبيرة جداً"، بمعدل 2000 صاروخ يومياً، والثانية، تتعلّق بالتطوّرات والتحسينات النوعية في القدرات الصاروخية ل"محور المقاومة، مع ترسانة ضخمة، تزيد على 100 ألف صاروخ"، والثالثة، لها علاقة بالعِبَر المستخلصة من حرب "حارس الأسوار"، في كل ما يتعلق بحراك فلسطينيي الـ 1948، وسبل التصدي لحراكهم، واحتوائه في أسرع وقت، وأقل تكلفة- وكالات- الجمعة 05 نوفمبر 2021"، وتضاف هذه المناورة العسكرية الى سلسلة لا حصر حصر لها من المناورات العسكرية الاسرائيلية الدفاعية.
ففي المشهد العسكري الاسرائيلي نتابع منذ سنوات بشكل عام، وفي السنوات الاخيرة على نحو خاص، ازدحاما وتعاظما فيما يسمى المناورات والتدريبات العسكرية الاسرائيلية التي تحاكي حروبا قادمة في لبنان أو في الاقليم، بل وفي اعقاب تعاظم التقديرات الاستخبارية الاسرائيلية حول التهديدات الحقيقية الكامنة لهم في الجبهتين اللبنانية والفلسطينية، أخذت القيادة العسكرية الاسرائيلية تزيد وتراكم من المناورات والتدريبات العسكرية الاستعدادية لحروب زلزالية قادمة لم ترد في حساباتهم.
ففي احدث تطورات المشهد العسكري الحربي التصعيدي الاسرائيلي في هذا السياق، اعترف قائد لواء الإخلاء والإنقاذ في الجبهة الداخلية الصهيونية المنتهية ولايته العقيد "يوسي بينتو"، قائلا: "أجرت اسرائيل مؤخرا مناورة كبيرة لم يجرِ مثلها في تاريخ الجيش الإسرائيلي- الصحافة العبرية"، السبت 27 يونيو 2020 –"، وأوضح "أن المناورة حاكت حدوث دمار مضاعف وشديد وخراب لم نشهد مثله منذ سنين طويلة، يتخلل ذلك عشرات المحاصرين تحت الركام بينهم قتلى وذلك بفعل صواريـخ دقيقـة تحمل رأس حربـي يزن مئات الكيلو غرامات من المـواد النـاسفة موجود مثلها حاليا في قطـاع غـزة وفي لبنان".
كما اجرت كتائب لواء جفعاتي في الجيش الإسرائيلي تدريبات معقدة استعدادا لحرب مقبلة مع لبنان، وذكرت القناة 7 العبرية- الإثنين 22 يونيو 2020"أن الكتائب المختلفة في اللواء أجرت تدريبات في تضاريس معقدة وصعبة تحاكي حرب مع لبنان على الجبهة الشمالية"، وقال القائد في اللواء دانيال أيلا: "نحن في تدريبات تحاكي تحديات سنواجهها في الحرب القادمة في الساحة الشمالية، ونجمع بين قدرات كل كتيبة هنا في المشاة والدروع والهندسة والاستخبارات، من أجل الوصول إلى استعداد كامل للحرب القادمة، وسنفوز في الحرب"، بدوره قال قائد لواء جفعاتي العقيد إيتسيك كوهين: "إن لواء جفعاتي في نهاية تدريبات مهمة وقوية للغاية وبكل فخر جاهزون ومستعدون لأي مهمة".
ما يعيدنا الى فتح ملفات المناورات والتدريبات العسكرية الاسرائيلية والاجندة والاهداف المبيتة وراءها، ففي الاجماع السياسي العسكري-الاستخباري الاعلامي الاسرائيلي، فان هذه المناورات العسكرية سواء تلك التي اطلق عليها"نور دغان-نسبة الى الجنرال مئير دغان-رئيس الموساد الاسبق "، والتي انطلقت تدريباتها –الاثنين-2017-9-11- على الارض الفلسطينية الشمالية المحتلة، المتاخمة للحدود اللبنانية، واستمرت عشرة ايام- وكانت الاضخم والاكبر على الاطلاق، التي يجريها الجيش الاسرائيلي، ليس منذ عشرين عاما فقط، وانما منذ نشأة ذلك الكيان، وبالاجماع الاسرائيلي، أو المناورات والتدريبات التي اجريت لاحقا، وتلك المبرمج اقامتها تباعا، فانها تأتي تتويجا لسلسلة طويلة من المناورات العسكرية المتصلة، على خلفية العبر والدروس التي استخلصها طاقم تشكل من- 29 –تسعة وعشرين جنرالا، لدراسة أسباب وعوامل الهزيمة امام حزب الله ، خلال عدوان/2006.
وهذا ليس كلاما في الاعلام أو للاستهلاك العام.
المناورات وخريطة الحروب المتدحرجة
فالواضح الموثق، انهم في ضوء كل ذلك، يربطون هناك في الكيان، ما بين هذه المناورات و التدريبات العسكرية المتواصلة المتتابعة بحساباتهم الاستراتيجية المتعلقة بخريطة الحروب والمواجهات المتدحرجة على الجبهة اللبنانية منذ نشأة تلك الدولة، وهذا ليس تنجيما اوضربا في الرمل، فالملف اللبناني- الاسرائيلي من وجهة نظر المؤسسة العسكرية الامنية السياسية الاسرائيلية لم ولن يغلق ابدا، فالذي حدث ل"اسرائيل العظمى" ول"الجيش الذي لا يقهر" في ايار/2000 ، وكذلك في تموز/2006، كاد يتسبب بانهيار شامل لذلك المجتمع الصهيوني.
ففي تلك الحرب العدوانية لم تأت حسابات الحقل على قدر حسابات البيدر في الاستراتيجية الحربية الاسرائيلية، فانقلبت الامور والاستراتيجيات والاهداف، فكان ان واجهت "اسرائيل العظمى " اعظم اذلال عسكري في تاريخها. فهاهو ديسكين-رئيس الشاباك سابقا- يعترف: "أجهزة السلطة انهارت بشكل مطلق أثناء الحرب.." ، وشبه الاجماع العسكري والسياسي الاسرائيلي كان على: "أن الصفعة التي تلقيناها من حزب الله اضاعت قوة ردعنا"، و"ان هذه الازمة لم تشهدها اسرائيل منذ 1948 "، و"ان الحرب أعادت اسرائيل جيلا كاملا للوراء.."، واختتمها المؤرخ توم سيغف مستخلصا :" الحرب على لبنان تحتاج الى لجنة تحقيق تتألف من كبار المؤرخين ".
كما جاءت نتائج حرب تموز/2006 وبالاعترافات الاسرائيلية الغزيرة، لتقلب كل الحسابات والتقديرات العسكرية راسا على عقب...ولتتهاوى المفاهيم والنظريات الحربية بقوة مذهلة....وليتحول المشهد الاسرائيلي من حالة النشوة والثقة المطلقة بالنفس والاعتقاد الراسخ بالانتصار السريع الساحق على حزب الله ..الى حالة اليأس والاحباط والاحساس بالهزيمة الماحقة لاول مرة في تاريخ تلك الدولة، ولكن لتبقى حروب"الحساب المفتوح" بين"اسرائيل" ولبنان المقاومة والدولة قائمة ومفتوحة...!.
المناورات واستنهاض الحالة المعنوية الاسرائيلية
وما بين ذلك المشهد المشار اليه، والمشهد الراهن في لبنان والاقليم، أخذت تقلب كل الحسابات والموازين رأسا على عقب، فقد بات واضحا تماما، ان كل هذه التدريبات البرية والجوية والبحرية التي اجرتها وتواصلها دولة الاحتلال، وفي مقدمتها سلسلة تدريبات المؤخرة او العمق التي اطلق عليها:"نقطة تحول.." على تماس مباشر بتلك الهزيمة الحارقة من جهة، وعلى تماس مباشر بالحساب المفتوح من جهته ثانية، ولكنها تؤشر من جهة ثالثة الى حالة الجبهة الداخلية الاسرائيلية التي اهتزت بعنف زلزالي في مواجهة تموز/2006، بينما هي تشير من جهة رابعة الى محاولة المؤسسة العسكرية-السياسية الاسرائيلية استنهاض الحالة المعنوية الردعية للجيش والمجتمع لديهم التي أصيبت في الصميم، في حين انها يمكن اعتبارها من جهة خامسة، مناورات استعدادية لحرب ثالثة ترجح مختلف المصادر الاسرائيلية المختلفة انها قادمة لا محالة، والمسألة بالنسبة لهم مسألة وقت وتوقيت....؟!.
ولذلك، يمكن التأكيد على ان كل هذه المناورات والتدريبات العسكرية الاسرائيلية تتواصل وتتكامل بمنتهى الجدية منذ الهزيمة عام/2006، ف"نقطة تحول" بدأت بالرقم-1- ثم تسلسلت لتصل الى الرقم-5-...فقد بدأت الاحد 2011-6-19 اضخم عملية مناورات وتدريبات عسكرية حربية صهيونية تحت اسم:"نقطة تحول-5 و6 و....الى 10 ثم تواصلت باسماء اخرى، ثم عادت باسم نقطة تحول 21 التي اجريت الجمعة 05 نوفمبر 2021"، وهذا ما اطلقوه عليها، للإشارة والايحاء بأن ما حصل في حرب ال/2006 لن يتكرر، وتشكل هذه التدريبات بالنسبة لهم نقطة تحول في الاستعدادات للحرب الثالثة.
الى ذلك، فهم على مستوى المؤسسة العسكرية والسياسية والاعلامية الاسرائيلية، وكذلك على مستوى الراي العام الاسرائيلي، يربطون ربطا جدليا ما بين هذه المناورات والتدريبات "المتحولة..المتسلسلة مرورا بمناورات"نبضة من القلب" الضخمة التي اجريت في شباط/2012، وصولا الى هذه المناورات الاضخم والاهم بكل المعايير العسكرية الاسرائيلية حتى الآن ..."، وما بين الحرب الثالثة المحتملة التي أطلق عليها بعضهم"الحرب الزلزالية"، بينما اطلق عليها البعض الآخر"الحرب المرعبة-نظرا لدخول التهديدات التدميرية و الابادية الشاملة فيها-باتت تهيمن على الخطط والقناعات والمناخات والسيكولوجيا الاسرائيلية..!.
فالاسرائيلي عموما، من الرئيس، الى رئيس الوزراء، الى الوزراء، الى كبار الجنرالات والضباط، الى الجنود في كل مكان، الى رجال الدين-الحاخامات، الى رجال الاعلام والاكاديميا، الى عصابات المستوطنين في انحاء الضفة، كلهم بالاجماع اصبحوا ينتظرون اندلاع الحرب، ويخشون نتائجها..!.
بل يبدو ان المشهد الاسرائيلي بات مثقلا بهواجس"نقاط التحول... و"النبضات..." و"نور دغان" و"جونيبر كوبرا"و"مركبات النار" المقترنة بسيكولوجيا الرعب والقلق، وهواجس الوجود، من احتمالية الهزيمة والاندخار ومن احتمالات الانهيار الشامل..!. |