تمخض الجبل فولد الغنوشي .. هذا ما خشيناه
د.عدنان بكرية
منذ سقوط طاغية تونس أبدينا خشيتنا من ان توأد الثورة ولا تحافظ على الأهداف التي اندلعت من اجلها .. ويبدو أن خشيتنا كان لها ما يبررها.. واستطاع الحزب الحاكم أن يحصد مكاسب الثورة ويبقي مخالبه في الحكم مستغلا غياب أحزاب المعارضة الحقيقية وخفوت صوتها في غمرة الأحداث.. فالثورة التونسية الأبية افتقرت الى القيادة السياسية التي يمكنها توظيف هذه الهبة المباركة لاقتلاع عناصر بن علي من الجذور .. فهذه العناصر هي التي طغت واضطهدت الشعب التونسي .. وهي التي صادرت حريته وجوعته وكبتته .
نفسها هذه العناصر والقيادات استطاعت ان تجعل القضية وكأنها قضية بن علي الشخصية ..وغيابه يعني نهاية الاضطهاد والكبت والمعاناة ! واخفت حقيقتها بأنها هي الأذرع التي قاتل بها بن علي الشعب .. ومصيرها يجب أن يكون كمصير بن علي .. لكن المشهد التونسي اليوم لا يبعث على التفاؤل والطمأنينة.. فالغنوشي اليد اليمنى لبن علي يشكل حكومة جديدة بديباجات معارضة لخداع الشعب والالتفاف على أهداف الثورة .
الثورة التونسية افتقرت الى القيادة السياسية الحكيمة حتى ان أحزاب المعارضة كانت خارج الصورة في البداية ومنها من بقي في الخارج حتى النهاية .. ولا نبالغ بان الثورة كانت بلا قيادة .. فالجماهير الغاضبة قادت نفسها بنفسها في مواجهة دموية مع أجهزة الطاغية.. واستطاع الشعب أن ينتصر..لكن لم يكن بحوزته استراتيجية بعيدة الأمد ..فإستراتيجيته تمركزت على رغيف الخبز وسرعان ما تطورت إلى إسقاط الرئيس .. كل هذا الخلل لم يكن ليحصل لو ان المعارضة التونسية نهضت منذ البداية وقادت الثورة ورسمت لها إستراتيجية طويلة .. وهذا لم يحصل بتاتا ناهيك عن تفكك المعارضة وعدم إجماعها حول رؤية واحدة.
هذه الأمور جعلت من الغنوشي يستغل الفراغ ويوظف الثورة لخدمة الحزب الحاكم وبقائه في السلطة .. وأكثر من هذا.. لترتيب البيت السياسي التونسي وامتصاص نقمة الشعب من خلال تزيين الحكومة بديباجات معارضة تدور في فلك الغنوشي ..
خشيتنا كانت في مكانها .. وما نخشاه مستقبلا ان يتم إجهاض الأهداف المتوخاه من الثورة من خلال احتواء المعارضة التونسية كلها وإشراكها في الحكم ..خاصة انها معارضة ضعيفة وتفتقر الى الإستراتيجية والمبادرة القيادية .. نتمنى ان لا يحصل هذا ..ويحصد الشعب التونسي ثمن الدماء التي أريقت في معركته من اجل الحرية |