دعت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون امس رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى استئناف المفاوضات المباشرة في واشنطن في الثاني من الشهر المقبل. الرئيس الامريكي باراك اوباما سيلتقي السيد محمود عباس وبنيامين نتنياهو في البيت الابيض، ثم يدعوهما الى حفل عشاء بحضور الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني. نحن امام مهرجان جديد في واشنطن، الهدف منه الايحاء للرأي العام العالمي، ومن ضمنه الرأي العام العربي، بان عملية السلام تسير بخطى حثيثة للتوصل الى تسوية سلمية تقود الى دولة فلسطينية مستقلة في غضون عام، مثلما جاء في بيان اللجنة الرباعية الدولية. المفاوضات المباشرة من المفترض ان تتطرق الى قضايا الحل النهائي اي المستوطنات وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، والقدس المحتلة الى جانب المياه والحدود. ولا نعرف كيف ستقدم حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة اي تنازلات تتعلق بهذه القضايا الجوهرية، وهي تتمسك بالاستيطان وترفض اي نقاش حول القدس المحتلة التي تعتبرها العاصمة الموحدة والابدية لاسرائيل. نتنياهو يرفض اي تجميد دائم للاستيطان، ويرفض اي سيادة لاي دولة فلسطينية مستقلة، ويرى ان القوات الاسرائيلية يجب ان ترابط على حدودها خاصة مع الاردن، اما حق العودة للاجئين الفلسطينيين فهو مرفوض تماما لان اسرائيل دولة يهودية ولا مكان لغير اليهود فيها حسب رأيه. الدخول في مفاوضات مباشرة، او غير مباشرة، لا يعني التوصل الى اتفاق بشكل آلي، كما ان توقيع الاتفاق لا يعني في الوقت نفسه انه سيطبق على الارض، فالسلطة وقعت اتفاقات عديدة مع الطرف الاسرائيلي لم تحظ باي التزام اسرائيلي بالتنفيذ، والاتفاقات الوحيدة التي طبقت ومن جانب واحد، اي الطرف الفلسطيني، هي الاتفاقات الامنية التي تحمي المستوطنين الاسرائيليين وتمنع جميع اعمال المقاومة العسكرية منها او السلمية. ولعل المثل الابرز الذي يؤكد هذه الحقيقة قيام السلطة بتنفيذ اتفاق مع الاسرائيليين بمنع قراءة القرآن في المساجد قبل الاذان، وابعاد كل الائمة الذين يطالبون بمقاومة الاحتلال، او يستخدمون الآيات القرآنية التي تحرض عليها، ولم يأت منع ترتيل القرآن الكريم الا بعد احتجاج المستوطنين في مستوطنات الضفة لان ذلك يشكل ازعاجا لهم. الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يملك تفويضا من الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات بالتفاوض وتقديم تنازلات باسمه، كما ان ولايته كرئيس للسلطة منتهية منذ عامين، اما صلاحية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير التي يستند اليها لتبرير ذهابه الى المفاوضات المباشرة، وتمثيل الشعب الفلسطيني فيها فهي غير شرعية، انتهت صلاحيتها منذ عشر سنوات، واعضاؤها في معظمهم يمثلون فصائل ليس لها وجود على الساحة الفلسطينية، او اي تمثيل في المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب. بمعنى آخر فان اي تسوية يتوصل اليها الرئيس الفلسطيني غير شرعية، وغير ملزمة للشعب الفلسطيني، نقول هذا رغم شكوكنا الكبيرة في امكانية التوصل لمثل هذه التسوية، الا اذا جاءت متطابقة تماما مع المواصفات والشروط الاسرائيلية. امر مؤسف ان يذهب الرئيس عباس الى هذه المفاوضات المباشرة وفق الشروط الاسرائيلية، واستجابة لضغوط امريكية، وهو يعرف مسبقا انها مفاوضات عبثية لن تحقق ايا من المطالب الفلسطينية المشروعة في السلام العادل وفق قرارات الشرعية الدولية. الغالبية الساحقة من قطاعات الشعب الفلسطيني، ووفق استطلاعات الرأي، ترفض المشاركة في هذه المفاوضات، ولكن الرئيس الفلسطيني لا يهتم بالرأي العام الفلسطيني، ولا يضع رأيه في الحسبان، وكل ما يهمه هو استمرار سلطته واستمرار دفع رواتب المنخرطين فيها، وامتيازات المجموعة الصغيرة الملتفة حوله. المفاوضات المباشرة لا تعقد من اجل التوصل الى تسوية واقامة دولة فلسطينية مستقلة، وانما لتوفير غطاء للعدوان الاسرائيلي ـ الامريكي شبه المؤكد على لبنان وسورية وايران وقطاع غزة، ولا نعتقد، بل نؤكد ان الشعب الفلسطيني الذي يؤمن ايمانا راسخا بالبعدين العربي والاسلامي لقضيته، ويدين بالشكر والعرفان لآلاف الشهداء العرب والمسلمين الذين ضحوا من اجل عدالة قضيته وتحرير اراضيه، لا يمكن ان يقبل ان تستخدم قضيته العادلة والمقدسة كغطاء لعدوان اسرائيلي ـ امريكي على اي دولة عربية او اسلامية.
رأي القدس العربي |