ملك الجبل الرجل الذي حوّل الاحتلال إلى ألعوبةٍ.. العثور على مقتنياتٍ للفدائيّ الفلسطينيّ باجس أبو عطوان من دورا الخليل في كهفٍ بعد 48 عامًا على استشهاده
2022-02-05
ملك الجبل الرجل الذي حوّل الاحتلال إلى ألعوبةٍ.. العثور على مقتنياتٍ للفدائيّ الفلسطينيّ باجس أبو عطوان من دورا الخليل في كهفٍ بعد 48 عامًا على استشهاده… نفذّ 52 عمليةً مُسلحةً وقتل وجرح عشرات الجنود الإسرائيليين (صور+فيديو)
الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
بعد 48 عامًا على استشهاده، عثر أحد المزارعين، أول أمس، على مقتنيات الفدائيّ الفلسطينيّ الشهيد باجس أبو عطوان، داخل أحد الكهوف المحيطة بدورا جنوب الخليل، بعد أنْ انطفأت البطاريات وانتهى العمر الافتراضي للترانزستور، لكن خبرا من زمن الثورة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي عاد ليبث من جديد.
من المقتنيات أيضًا، مفتاح وسيخ من حديد لتنظيف البندقية، وبطاريات لـ”الترانزستور” الذي انقسم إلى قسمين، وأسلاك توصيل الشرارة إلى العبوة الناسفة، ورائحة بارود ظلت عالقة في المكان.
لم يكن يريد من الثورة أكثر من بندقية، بندقية ليست مجانية، بل سيدفع ثمنها من عمله الشاق في المقهى، من مشيه مسافة 5 كم يوميا من خربته “الطبقة” إلى بلدة دورا جنوب الخليل.
52 عملية مسلحة ضد الاحتلال، نفذت في الجبل والشارع والقرية والخربة، في ضوء الشمس وعتمة الليل، لم يقدم فلاح واحد شهادة واحدة ضد باجس أبو عطوان، فهو لم يقتل بقرة، ولم تمتد يده إلى تينة، ولا إلى عنقود عنب من دالية.
كان يقول دائمًا لرفاق المجموعة: “لم نأتِ كجراد، والثورة تدفع مخصصاتنا، وما أكثر ما تتأخر، ولكننا لسنا موظفين في بنك، ولم يستأجرنا أحد لحمل البندقية”.
بَنَتْ هيفاء وعبلة، شقيقتا الشهيد، البيت من جديد، ثم جاء الإسرائيليون ونسفوه ثانية، كانوا يرفضون أنْ يكون هناك سقف لعائلة باجس أبو عطوان. في المرة الأولى (1968) كان سبب نسفه تجنيد موسى أبو عطوان لابنه باجس وعلي أبو مليحة والتخطيط لعملياتهم قبل المطاردة، فيما كان النسف الثاني (1971) سببه باجس وعملياته.
ولد أبو عطوان عام 1948 وعمل في سن العاشرة مع والده في أحد مقاهي دورا، وفي عام 1968 توجه للعمل المسلح في جبال الخليل، وانضم إلى مجموعة مسلحة بقيادة علي أبو مليحة الملقب بـ”ملك الجبل”، ليستلم بعد استشهاده في منطقة “أبو خروبة”، قيادة المجموعة.
عام 1970 تعتقل عبلة الأطرش، شقيقة باجس، وتحكم بالسجن تسعة أشهر بتهمة مساعدة الفدائيين، وفي عام 1972 تعتقل شقيقتها هيفاء وتحكم بالسجن ستة أشهر بتهمة الانتماء إلى خلية فدائية.
وتبصق الأخت الكبرى في وجه الحاكم العسكري للخليل الذي كذب على والدها في السجن، وقال له إنّ باجس قتل، وفي ذلك الوقت كان باجس يدفع سبعة دنانير لأحد رعاة الأغنام من رأس غنم، قبض الراعي الدنانير ومضى وهو يحدث نفسه: البنادق في أيديهم ومع ذلك فهم يدفعون الثمن.
لقد دفعوا الثمن، وكانوا دائما يدفعون ثمن ما يأكلون. (مات البطل، عاش البطل).
في العام الذي استشهد فيه باجس (1974) الشاعر والكاتب معين بسيسو يتولى رواية باجس ويصدر: “باجس أبو عطوان.. مات البطل عاش البطل”، والتي صدرت عن دار الفارابي في بيروت بالطبعة الثانية سنة 2014.
وجاء في الرواية:”معجزة الفلسطيني في قدمه، وأنا لا أكشف سرًا للعدو، فالفلسطيني يذبح من قدمه، ومن أجل هذا فَهُم يعطون الفم الفلسطيني ألف كيلو متر في الهواء، لكي ينطلق فوق صوته، ومن أجل هذا فَهُم يعطون اليد الفلسطينية ألف كيلومتر من الورق لكي يكتب فوقها، أما أمام القدم الفلسطينية.. فهناك الأسلاك المكهربة والأسلاك الشائكة، وهناك حقول الألغام، وهناك مليون جرس إنذار يدق كلما لمست قدم فلسطينية شبرا من الأرض” (عاش البطل، مات البطل”).
وفي تقريرٍ لوكالة (وفا) جاء: بعد قراءة قصة الشهيد باجس أبو عطوان، يتبادر إلى الذهن، لماذا لا تتحول حياته إلى مسلسل تروي حلقاته كيف يصير المقاتل مقاتلاً، وكيف يُتخذ قرار الدفاع عن الأرض، وكيف يجوع البطل ولا يموت، وكيف يصبح الأب المريض أسطورة في السجن، ويدفع ثمنًا لرجولة ابنه الشاب الذي يرفض إزاحة البندقية عن طريقها الصحيح، البندقية التي ظلت مصوبة نحو صدر العدو دون أن تخافه أو تحسب حسابا لإمكانياته الهائلة من الاتصالات والتكنولوجيا والعدة والعتاد، كانت لها نظرتها الخاصة صوب طائرة الأباتشي المقاتلة، فهي كانت تراها ترتجف بينما تستند على سلسلة حجارة تنتظر غارة أخرى على دورية”.
باجس من الزمن الذي كان يجوع فيه الفدائي في الجبل ولا يجد خبزًا، كانت رصاصات باجس الأخيرة، معدودات، وكانت كل رصاصة يملكها تعني صدر أو رأس جندي، وبقي يطلق النار على دوريات الاحتلال حتى أيامه الأخيرة، حيث تمكن الاحتلال بعد سبع سنوات من مطاردة باجس واغتياله عبر تفجير كهفه.
كانت أشهر عملياته، قرب بيته سنة 1971، بعد أنْ حاصره الجنود وكمنوا له، فأوقع بينهم عشرات القتلى والجرحى وانسحب، ليُنسف البيت بعدها مباشرة، وكانت لهم حكاياته في التخلص من كمائن العدو، وفي إحدى المرات طوى نفسه ودخل في حيز ضيق جدًا بداخل صخر جيري حتى مرّ الجنود وخرج سالما، فأصبح “أبو شنار”، وتروي الحكايات أنّه غطى نفسه بحجر بعد أنْ دخل في شق الصخر